recent
أخبار ساخنة

إحتلال العرائش والقصر الكبير وردود فعل الحركة الجهادية (يونيو1911م)

بقبول المولى عبد الحفيظ مقررات الجزيرة الخضراء، وبتحمله مسؤولية ديون أخيه، وباندفاعه هو نفسه في هوة القروض، حوصر بفاس من طرف القبائل التي نادت بخلعه، فأقدم على الاستنجاد بالفرنسيين، فاستغل الفرنسيون هذه الظرفية فوجهوا حملة عسكرية بهدف احتلال عاصمة البلاد (فاس) وإخضاع السلطان نهائيا. وقد أعطى احتلال فرنسا لفاس الضوء الأخضر لانطلاق العمليات العسكرية الاسبانية بالمنطقة الشمالية الغربية، وأعطى مبررا لاسبانيا للمطالبة بحرية العمل العسكري في منطقة نفوذها مرتكزة في هذا الشأن على الاتفاقية السرية لسنة 1904م التي نصت على: " في حالة ما إذا بدا أن الحالة السياسية في المغرب والحكومة الشريفية غير ممكنتى البقاء، أو تبين أن النظام الحالي صار من المستحيل بقاؤه إما بسبب ضعف هذه الحكومة وعجزها المستمر عن صيانة الأمن والنظام، أو لأي سبب آخر يلاحظ باتفاق مشترك يمكن لاسبانيا أن تمارس بحرية عملها في الناحية المحددة في الفصل السابق والتي تعتبر منذ ذلك الحين منطقة نفوذها". جعلت إسبانيا من الحالة الأمنية في نواحي القصر الكبير (ما بين 11 ماي و 8 يونيو 1911م) إحدى مبرراتها، فأخذت توهم بأن الأمن مختل والخطر جسيم والتمرد عام، إذ اعتبرت المجاهدين في بلاد جبالة مشاغبين، فأعطت رسما خاطئا للواقع حيث أنها افترت عليه وألبسته بأكاذيبها الصورة المتخيلة لديها. وكان بذلك بداية العمل العسكري في منطقة جبالة من خلال عمليتي الإنزال البحري بالعرائش والاتجاه نحو القصر الكبير . ادعت إسبانيا أن منطقة القصر الكبير مضطربة، ومحاصرة من قبل العناصر السائبة برآسة مولاي أحمد التازية المعروف بالبقار وأن المنطقة خاضعة لنفوذه. كان هدف إسبانيا من هذه الافتراءات هو تمييع الحركة الجهادية القروية الجبلية التي ناصبت المحميين العداء. ووقفت في وجه المتحالفين معها . عجلت هذه الأسباب في سرعة تحرك الجيوش الاسبانية نحو مدينة القصر الكبير، خاصة وأن المدينة تتوفر على موقع تجاري مهم وأراضي فلاحية خصبة. وخوفا من محاولة فرنسية لإقحام هذه المنطقة في دائرة نفوذها، أخذت إسبانيا في تقييم الوضع الداخلي المتأزم بالمنطقة وما نتج عنه من انعدام الأمن وانتشار الفوضى. هذا الوضع الذي أعطت إسبانيا وقائعه في صور تخالف الواقع. وكان لمقتل المحمي أحمد بن مالك وولديه ذريعة قوية لتبرير تطلعات إسبانيا التوسعية بحيث قام سفيرها بطنجة المركيس دي بياسنده EL Marques de vilasinda بتضخيم حادثة مقتل آل بن مالك، فكاتب النائب السلطاني محمد الكباص يصور له الأوضاع التي آلت إليها المنطقة ويحثه فيها على أن يقوم المخزن بالعثور على مرتكبي الجريمة والقبض عليهم لتربية أمثالهم، وتعويض أهل المحمي بفدية قدرها 12 ألف ريال، زيادة على الضرر الواقع لأهله. ولما أجاب النائب السلطاني السلطات الاسبانية بأن مقتل بن مالك جاء نتيجة مشاركته نفسه في الفتنة، وأنه لا يتمتع بأي حماية استنادا إلى الإطار القانوني الذي ينظم حماية الأشخاص، أرسلت الحكومة الاسبانية في 2 يونيو البارجتين الحربيتين " كاطلونيا " Catalunaو " ألمرانط لوبو " Almirante Lobo إلى العرائش، بحجة تدهور الأوضاع الأمنية وتأثير ذلك على المحميين والأجانب في العرائش والقصر الكبير. وفي يوم 8 يونيو وبعد أن قيمت الوضع بالمنطقة قام بمهاجمة المدينة نحو 800 من العسكر الإصبنيولي فذهب منه 500 للقصر الكبير والباقي نزل بعضه بجبل الشمس وبعضه براس الرمل وبالناظور والقشلة وباب البحر والأبواب. وأصبحت المنطقة مضطرة للاذعان للواقع، فأضحت لقمة سائغة في فم الجحافل الاسبانية، ولم يأخذ قائد المنطقة أحمد الريسوني زمام المبادرة في مواجهتها حيث أنه لم يقم بأي نشاط على الجبهة العسكرية. بل فتح أبواب المنطقة على مصراعيها في وجه العسكريين. يقول في هذا الصدد الكاتب مانويل أورطيكا أنه "بدون المساهمة التي قدمها لنا الريسوني فإن هذا الاحتلال الواسع للمنطقة كان من الممكن أن يكلف إسبانيا خسائر جسيمة في الأرواح ويستنزف أموالها ويرهق خزينتها" . ولمباشرة التوغل العسكري بمنطقة العرائش، تم تعيين "الكرونيل" فرنانديت سلبيستري Fernandez Silvestre قائدا عسكريا، هذا الأخير الذي سبق له أن مارس مهمة الإشراف على تدريب "البوليس المخزني" خلال مدة إقامته بمدينة الدار البيضاء، وهي المدة التي سمحت له بتكوين نظرة عامة وبصورة مباشرة على الأوضاع التي كان يمر بها المغرب آنذاك، وهذا ما جعله يضغط على حكومة بلاده بأن يشرع في مد نفوذها على المغرب. وهذا ما سيحصل عليه بالفعل عندما قامت السلطات العسكرية الاسبانية بتعيينه قائدا لمباشرة القوات الغازية بالمنطقة، ومنحته أفضلية الاتصال مباشرة بوزارة الحربية بمدريد. وبعد إنزال القوات الاسبانية بمدينتي العرائش والقصر الكبير، سيعمل سلبستري على تحويل المواجهة العسكرية إلى حرب استعمارية حقيقية .
دود الفعل : وقعة القصر الكبير أو وقعة العنصرة (1911م) :
وقعة القصر هي معركة يحكي لنا أطوارها الدكتور المريني العياشي في مؤلفه النضال الجبلي، استقى أحداثها من مجموعة من الرواة شاركوا في الحدث. وجاء فيها أنه لما شاع خبر احتلال الإسبان لمدينة القصر الكبير إجتمع ما يفوق 4400 مجاهد ينتمون إلى القبائل الجبلية وبلاد الهبط : كبني مستارة وغزاوة وارهونة ومصمودة والأخماس وبني زكار وبني يوسف وآل سريف والخلط، بقيادة الشريف الوهابي العروسي المعروف بمولاي أحمد البقر بوادي كتامة شرق القصر الكبير. وبعد 15 يوما استعدوا فيها للهجوم، واستعرضوا سلاحهم التقليدي الذي كان من نوع ساسبو و بوزكروم وبورحى وبوشفار وتاكيرة والتساعية والمكحلة وبو حفرة، فاقتحم المجاهدون مدينة القصر الكبير عبر محورين رئيسيين : محور الوادي الجديد ويقود فرقته الشريف الوهابي مولاي أحمد البقر ومحور باب سيدي ابن قاسم ويقود فرقته القائد عبد السلام بن الجلالي، فاشتد القتال بين المجاهدين والاسبان وتوغلت الفرقة التي كان يقودها الشريف الوهابي في وسط المدينة حتى وقف بفرسه غرب مايسمى حاليا بمقهى التوتة . وأثناء المعركة سقط عدد غفير من الجانبين، وبينما المعركة قائمة على أشدها إذا بالعدو يباغتهم من الخلف ويحاصرهم بجيش جرار يتكون من المشاة والخيالة ومجهز بالمدافع والبنادق والرشاشات الحديثة. كان من نتائج المعركة أن استشهد عدد كبير من المجاهدين الجبليين فاق عددهم 300 شهيد .
google-playkhamsatmostaqltradent