recent
أخبار ساخنة

العنصرة

العنصرة هي عنوان لليوم السابع من شهر يوليوز لكل سنة، وهي أيضا اسم لموسم ثقافي وفني ترسم من خلاله ملحمة يُعبَّر فيها عن الفرحة والسرور، وهي كذلك بشرى بظهور نتائج الموسم 
الفلاحي الجديد وانطلاقة عملية الجمع وحصاد المحصول.
يوم 7 يوليوز له تعريف في أبراج التقويم الفلاحي (المنازل)، وهي مستخرجة من علم الفلك الذي هو علم خاص.
إن الاسم الذي نتحدث عنه الذي وهو «العنصرة» يُحتفل به في العديد من المناطق والقبائل وحتى بعض المدن، لكن بأسماء مختلفة، مثل (موسم ماطا) و(موسم التويزة) و(موسم العنصرة) و(موسم اللامة) وغيرها من الأسماء. وهو تقليد لموروث متوسطي، أي يعود إلى شعوب المتوسط.
إن الاحتفال ب«العنصرة» يدخل في إطار نسيان الماضي والابتسام للمستقبل، حيث إن الفصول (الخريف والشتاء والربيع والصيف) التي مضت بها السنة الفلاحية تكون لكل منها ظروفه الخاصة، من حيث التأثير على الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وطابع التأثير على الحياة المعيشية للساكنة، وذلك بأخذ الحيطة والحذر وبرمجة نفقات السنة حتى تمر في ظروف طبيعية.
وعند ما يحل موسم «العنصرة» يكون بمثابة البشرى، ويعلن بالحركة والرواج والتنمية الاجتماعية والثقافية والفنية، وتبرز الأفراح والأعراس والمواسم والمهرجانات، وينتقل الوضع الاجتماعي إلى الأحسن وتظهر مظاهر الرفاهية، وهو ما يعبر عنه العرس الكبير ل«العنصرة»، حيث يأتي الناس من العديد من المناطق والقبائل والقرى والمداشر، يأتون أفواجا ومجموعات عائلية وأفرادا، فيشكلون ملحمة حية وعرسا كبيرا يلبس فيه الناس أغلى وأفخر وأعز ما يملكونه من الملابس الفاخرة. والكل ملتزم بهذا، رجالا ونساء، وخاصة الشباب من المقبلين على مشروع الخطوبة أو الذين هم في طريقهم إلى الزواج.
الكل يستغل يوم «العنصرة» للقاء والتعارف وربط علاقة تعارفية جديدة، وأيضا تجديد اللقاء بين من تعارفوا في الموسم الماضي، إنه يوم تربط فيه العلاقات وتتجدد فيه الاتصالات ويتبادل فيه الجميع ممن تعرفوا على بعضهم البعض الأسماء الشخصية وأسماء المداشر والسوق الأسبوعي.
«
العنصرة» هي أيضا مهرجان مفتوح للفن والطرب والغناء والنشاط والسباحة وركوب البحر، وذلك على شكل مجموعات جماعية تقوم برحلات قصيرة مسافة على متن القوارب الصغيرة والمتوسطة، وهو تعبير عن العودة الجماعية إلى أرض الأندلس، التي ينحدر منها سكان قبائل جبالة.
المجموعات التي تركب القوارب تكون مصحوبة بجميع أنواع الفن والغناء والطرب، ويتم ترديد الزغاريد النسائية والطقطوقة الجبلية وإطلاق البارود من داخل القوارب وسط البحر.. إنه مسلسل يعبر بصدق عن مشاعر السكان ويذكر العائلات الموريسكية بماضيها ويعيد إليها ذاكرتها التاريخية فتستحضر ما قاسته حين طردت واضطهدت وتم ترحيلها قسرا، ظلما وعدوانا، على أيادي حكام حرب الإبادة بعد سقوط الأندلس. إن يوم «العنصرة» يعبر عن حلم العودة إلى البحر كرمز لعودة الموريسكيين إلى أرض أجدادهم في الأندلس.
الكل يمرح ويجري ويسبح ويستعرض قوة العضلات والقدرة على القفز فوق الأمواج والغطس والغوص لأبعد مسافة في أعماق البحر، الجميع يجري على شط البحر، نساء ورجالا، ومن مختلف الأعمار، يهدف ذلك إلى إظهار المهارات وقوة الأجسام، وهو ما يعطي فرصة يرى فيها العديد من الجنسين صورا حقيقية للمظاهر الخارجية لبعض شباب القرية والقبائل، ليكون الجميع على دراية بالأبعاد التاريخية للاحتفال، من خلال المشاهدة الطبيعية، وهي أيضا مناسبة ليتراءى ويلتقي الشبان، ذكورا وإناثا، وقد يتحول هذا اليوم إلى موعد للبحث والاختيار لرفيق وحبيب قد يرسم مسار حياة مشتركة والمضي في رحلة عمر يقترن فيها المصير، إنها فرصة تأتي مرة كل سنة.
إن هذا اليوم يسهل التواصل بين أبناء القبائل والقرى ويفتح قنوات التعارف، وهو أيضا يوم يجتمع فيه الناس على شكل مجموعات وتنظم فيه ولائم ورحلات صيد وقنص. وعند غروب الشمس، يبدأ الجميع بالتهيؤ للانصراف.
«
العنصرة» هي موروث حضاري وثقافي وفني واجتماعي وإنساني وتقليدي وتاريخي يعود إلى مئات السنين. ونحن بدورنا، وفي إطار المحافظة على التراث، نعمل قدر المستطاع على الحفاظ على الإرث المشترك الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، وورثته المنطقة والإقليم والجهة عامة، وذلك منذ القدم، ولعل الحفاظ على الإرث الإنساني والحضاري لمن سبقونا أمر ضروري وواجب، لأن حضارة الأمم تقاس بماضيها التاريخي والإنساني والحضاري والثقافي والفكري والعلمي والأدبي
.
google-playkhamsatmostaqltradent