دودة الصندل
في الواقع، سنة بعد أخرى، تقوم "دودة الصندل" التي يُطلق عليها علمياً اسم Thaumetopoea wilkinsoni، بغزو أشجار الصنوبر على امتداد البلاد. بيد أن أعدادها هذا العام تفوق المعتاد، الأمر الذي يشكل كارثة بيئية بحسب تصنيف الخبراء في هذا المجال.
الدكتور أحمد هوري، أستاذ العلوم الطبيعية في الجامعة اللبنانية
الأميركية، والخبير في ما يُسمّيه "الحشرات الضارة المُدمّرة"، يقول:
"ما يحدث ليس جزءاً من الدورة الطبيعية"، لافتًا الإنتباه إلى أن
"الطبيعة تقوم على التوازن، والتوازن لا يعني تجريد الأشجار من أوراقها
بالكامل.. انها كارثة فعلية".
هذه الحشرات المؤذية تبني أعشاشها في أشجار الصنوبر الحلبي، والصنوبر
البروتي، والصنوبر الحرجي، وتقوم بمضغ أوراق الصنوبر وصولاً الى تعرية الأغصان.
وأعلن أكراس أنه شاهد هذه الحشرات على امتداد "درب الجبل اللبناني"،
بدءاً من غابة القبيات الكثيفة في شمال البلاد نزولاً إلى المناطق الجنوبية،
لاسيما على امتداد ضفاف الأنهر والمجاري المائية.
وعن تقليص المساحات الحرشية المتفشّية في لبنان، يقول أكراس: "ما لا نخسره بسبب الحرائق، نخسره بسبب الحشرات"، وأكد في هذا السياق أن "الأمر مخيف للغاية، والمشكلة في لبنان تتمثّل بضعف الادارة حيث ثمة دائماً ثغرات تشوب عملية اتخاذ القرار".
وعن تقليص المساحات الحرشية المتفشّية في لبنان، يقول أكراس: "ما لا نخسره بسبب الحرائق، نخسره بسبب الحشرات"، وأكد في هذا السياق أن "الأمر مخيف للغاية، والمشكلة في لبنان تتمثّل بضعف الادارة حيث ثمة دائماً ثغرات تشوب عملية اتخاذ القرار".
والحال أن هذه الثغرات قادت إلى تفشّي صيد العصافير، لينتج عن ذلك ما
يعتقد هوري وخبراء آخرون أنه أحد أسباب تزايد أعشاش "دودة الصندل"، إذ
إن الصيد يُقلّص عدد المُفترسات الطبيعية التي تلتهم الحشرات. وعن هذا الموضوع
يقول وائل حميدان، المدير التنفيذي للمنظمة البيئية غير الحكومية IndyAct، إنه ينبغي التأكّد من "استمرار تواجد
المُفترسات الطبيعية، ومن أنه لا يتم اصطياد أنواع معيّنة من الطيور"...
وهنا، يقترح هوري إمكانية أن تكون المشكلة نابعة أيضاً من استخدام المزارعين
للمبيدات، التي من شأنها قتل أنواع معيّنة من الحشرات التي تلتهم بدورها
"دودة الصندل".
وعلى الرغم من أنه لم يتم القيام ببحث علمي لدراسة ظاهرة "دودة
الصندل" بشكل خاص، إلا أن دراسة تعود إلى العام 2007 قادها فريق من العلماء
من الجامعة الأميركية في بيروت، تُقدّم احتمالاً آخر. فقد توصّلت هذه الدراسة إلى
أن انتشار الذبابة المنشارية الماضغة للأوراق الإبرية في تسعينيات القرن المنصرم،
والتي هدّدت غابات الأرز في لبنان، إنما نتج مباشرة عن التغيّر المناخي.
وفي الواقع، يعبّر حميدان عن مدرسة فكرية تشير الى "تغيّر
الأعداء الطبيعيين أوقات هجرتهم، على غرار الطيور، كذلك تُغيّر "دودة
الصندل" دورتها بسبب التغيّر المناخي"، موضحًا أنّ "غياب التزامن
بينهما، يسمح لهذه الديدان بالانتشار والتكاثر بوتيرة أسرع".
لكن، بغض النظر عن السبب، تبدو الحقيقة واضحة للعيان. فالأعشاش تتدلّى
من كل شجرة صنوبر تقريباً في "وادي برمانا"، وعلى امتداد الطريق الذي
يربط برمانا ببعبدات، وإزاء هذا الأمر يقول نائب رئيس بلدية برمانا كميل مارسيل
أبي سمرا: "المسألة أكبر منا، إنها بالطبع مشكلة كبرى وعلى الحكومة تدبُّر
الأمر".
هذه المشكلة الكبرى تتخطى المجال البيئي لتطال أيضًا المجال السياحي
في البلد، إذ بحسب هوري فإنّ "السواح لن يتمتّعوا بالتجوال في غابة صنوبر
مُجرّدة من أوراقها، كما لن يُعجَبوا بفكرة تواجد "دودة الصندل" بكثرة
من حولهم، ما قد يعرضهم لخطر التعرض للحساسية"، فمادة التوكسين المتواجدة على
وبر هذه الحشرة يمكن أن تتسبّب بحكّة شديدة أو بالتهاب عند احتكاكها بالبشرة.
ويقول خبراء إن وزارة الزراعة تتولّى مسؤولية توزيع المبيدات، إما عبر
رشّها بواسطة الطوافات أو من خلال توفيرها للبلديات المحلية بغية رشّها على الأشجار
في تشرين الأول أو تشرين الثاني. أما الخطوة التالية، فتتمثّل في قطع الأغصان
المتضرّرة في كانون الثاني أو شباط. بيد أنه ليس واضحاً بعد ما فعلته الوزارة
بالتحديد أو ما لم تفعله، لكون القيمين على الوزارة لم يتجاوبوا مع اتّصالات موقع "NOW Lebanon" لاستيضاح الأمر.
ويتساءل هوري: "هل يتوجّب على الناس إبداء القلق حيال المسألة من
خلال الشروع في البكاء والنحيب؟ ما ينبغي القيام به هو إبداء القلق والشروع بخطوات
ما لمواجهتها".
أما أركاس فقال: "كان يرافقنا في هذه الرحلة رجل إنكليزي، لم يرَ
تغيّراً مماثلاً للحياة البرية والطبيعة بين كل من الشمال والجنوب، إلا أنّ أي
ظاهرة كهذه في بلد صغير الحجم كلبنان يمكن ملاحظتها بسهولة".