عند
دراسة المجتمعات الجبلية المغربية، يصطدم المؤرخ اليوم ببعض المفاهيم النظرية
الانقسامية التي حاول بعض الإثنوغرافيين والسويولوجين تطبيقها على هذه المجتمعات.
ومن بين هذه المفاهيم نجد أن مفهوم النظرية الانقسامية يمارس تأثيرا مغريا على
الباحثين، بل هناك من عممه على المجتمع المغربي كله . والسبب
وراء هذا الادعاء هو وجود مؤسسات محلية (مجلس الجماعة، ومجلس الفرقة، ومجلس
القبيلة ) رأى فيها الكثير من الإثنوغرافيين تعبيرا عن استقلال المنطقة عن السلطة
المركزية. والواقع أن المخزن، بعدما تقلصت موارده في أعقاب انقطاع تيارات التجارة
البعيدة المدى، لم يكن يتوفر على الإمكانات الكافية لكي يعين في جميع قرى مملكته
جابيا وقاضيا ودركيا . لذلك فضل أن يمنح بعض المناطق استقلالا واسعا في تسيير
شؤونها، إلا أن هذا الامتياز، لم يكن يعني عدم الخضوع للسلطة المركزية. فقبائل
جبالة كانت تخضع لقائد عام يتم تعيينه من فاس.
ونذكر على سبيل المثال أن المولى سليمان عين القائد محمد السلاوي على
طنجة وتطوان والعرائش والقصر كما ولاه على كافة القبائل الجبلية. كما أن المولى
عبد الرحمان بن هشام ولى قائد تطوان عبد السلام السلاوي، إدارة قبائل أنجرة،
وادراس، بني منصور، بني يدر، بني مراس، بني عروس، وجبل الحبيب. وكان القائد العام
يعين على رأس كل قبيلة خليفة لتمثيله. ورغم ضعف هذه
المركزية فإنها كانت تستجيب للحاجيات المحلية وتدل على أن المنطقة لم تكن مستقلة
بل خاضعة للسلطة الشرعية . أضف إلى هذا أن سكان
المنطقة كانوا يشعرون بانتمائهم إلى باقي أطراف البلاد كما يدل على ذلك تسارعهم
إلى حماية الوطن كلما لاح خطر أجنبي. فمنذ القرن الخامس عشر تحولت المنطقة إلى
جبهة وقفت بنجاح ضد متحولات مد رقعة الاحتلال الاسباني انطلاقا من سبتة . وظلت العلاقة بين القبائل والمخزن تحكمها نفس الروابط التي تجمعها في
أي مكان آخر من البلاد التي يصل إليها النفوذ المخزني، وكانت الضرائب والمشاركة في
جيش السلطان أبرز الواجبات التي كانت على عاتق القبائل، بالإضافة إلى الاعتراف
بالسلطة الروحية للسلطان. بينما تكفل المخزن بفض النزاعات القائمة والدفاع عن
مصالح الرعية خاصة عندما يلحقهم أي تهديد من الخارج .
المصدر : مقتطف من بحث للاجازة حول مقاومة قبائل جبالة للاحتلال
الاسباني... للأخ : يوسف
كمال