recent
أخبار ساخنة

مشروع القرن في المغرب سد الوحدة

شكلت سياسة بناء السدود ثورة في مجال الأمن المائي بالمغرب في مرحلة ما بعد الاستقلال، حيث عرفت بلادنا تشييد 139 سداً، بطاقة استيعابية كبيرة، و100 سد بطاقة استيعابية متوسطة وصغيرة، تقدر بـ17.5 مليار متر مكعب، مما أفضى إلى إبعاد شبح العطش الذي كان يتهدد البلاد في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي وما بعدها، بسبب توالي سنوات الجفاف، و ساهم في سقي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وتوليد الطاقة الكهربائية وبالتالي تحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي بالنسبة للمواد الغذائية، وإنتاج الكهرباء، وتزويد المدن الكبرى بالماء الصالح للشرب.
ويعد سد الوحدة الذي تم تشييده سنة 1997 بالقرب من دوار المجعرة التابع لإقليم وزان وتوجد 90 % من حقينته بإقليم تاونات، مفخرة المغرب في المجال المائي على الصعيد القاري، بفضل سعته التخزينية الكبيرة " 5.5 مليار متر مكعب من إجمالي 17.5 " التي تمكّن من سقي 100 ألف هكتار، وتزويد مدينة الدار البيضاء بالطاقة الكهربائية من خلال معمل للطاقة الكهرومائية عند قدم السد بقوة 240 مليون واط، حيث تبلغ قدرته الإنتاجية السنوية 390 جيكاواط في الساعة وهو ما يعادل 150000 طن من الفيول الصناعي المستورد في المتوسط سنويا .
غير انه، وعلى الرغم من هذه المكتسبات المهمة التي كانت حاسمة في تحقيق بلادنا لأمنها المائي والطاقي والغذائي، وإبعاد المغرب عن خط الفقر المائي، بات سد الوحدة حاليا يشكل في الوقت نفسه خطراً داهماً يتهدد ساكنة المناطق الحاضنة لمياهه، بفعل انعكاساته السلبية التي أرخت بظلالها على الأفراد والجماعات منذ تدشينه سنة 1997. بسبب غمره لأكثر من11000 هكتار من الأراضي الفلاحية الصالحة للزراعة التي كانت تشكل مصدر عيش لنحو 200 ألف نسمة ب " أورتزاغ كيسان تافرانت تبودة مولاي بوشتى كلاز " في الوقت الذي تستفيد من مياهه البرجوازية بمحور المغرب النافع، من كبار الفلاحين الذين يعتمدون على تصدير المنتجات الغذائية، وطبقة الملاك العقاريين الكبار الذين استثمروا في الأراضي القابلة للسقي بمياه السد. في حين تعاني ساكنة غالبية قرى ودواوير إقليم تاونات من فقر مدقع، و أزمة عطش حادة وهي الظاهرة التي أصبحت تتكرر خلال كل فصل صيف يعقب موسما جافاً، يزيد من حدتها تعثر إنجاز مشاريع تزويد المناطق النائية بإقليم تاونات بالماء الصالح للشرب انطلاقاً من حقينة سد الوحدة، والتي كان مقرراً أن يستفيد منها نحو أزيد من 250 دوار سنة 2012.
بالإضافة إلى انقراض العناصر الإحيائية التي يعتبر وجودها ضرورياً لضمان التوازن الإحيائي داخل السد من جهة، وتوفير فرص الشغل لشباب المنطقة في إطار نشاط الصيد النهري الذي كان يشكل لأبناء المنطقة مصدراً للرزق من جهة أخرى، و امتلاء الحقينة بالأوحال الطينية وما تقذفه معاصر الزيتون من مادة المرج، مما يتسبب في تدني جودة المياه الصالحة للشرب. ناهيك عن بروز إشكالية انحصار الوعاء العقاري الصالح لإطلاق مشاريع استثمارية كفيلة بالتخفيف من حدة انعكاسات السد وأثاره الوخيمة على حياة ساكنة هذه المناطق القروية، بالإضافة إلى تفاقم ظاهرة الهجرة العكسية صوب المدن، حيث بلغ عدد الأسر التي تم ترحيلها نحو 27 ألف نسمة، مما نتج عنه دخول المنطقة في دوامة الانهيار الديموغرافي، واتساع رقعة الفقر والهشاشة، وغياب فرص الشغل... كل هذا في ظل غياب أي تنمية ترابية منصفة ومتوازنة، تأخذ بعين الاعتبار هذه الآثار والانعكاسات السلبية لحقينة السد، وخصوصية كل منطقة على حدى ؟؟
فمن يتحمل مسؤولية هذا الوضع المتناقض، و هذه الاختلالات المزمنة التي باتت ترخي بظلالها على حياة الأفراد والجماعات ؟؟
ما هو دور المؤسسة البرلمانية والأجهزة المنتخبة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في الترافع حول هذه الانعكاسات والآثار السلبية بما في ذلك تقييم وتتبع نتائجها ودق ناقوس الخطر لدى مؤسسات صناعة القرار ؟؟
أي نموذج تنموي متوازن ومنصف يستطيع رفع الحيف عن ساكنة هذه المناطق، ويعيد ادماج هذه الجماعات الترابية الحاضنة لمياه السد في سلم التنمية والنمو والازدهار ؟؟
بقلم : منصف بودري و نبيل التويول
google-playkhamsatmostaqltradent